جراح الماضي وآفاق المستقبل- لبنان وسوريا بعد الأسد

المؤلف: رامي الخليفة العلي10.21.2025
جراح الماضي وآفاق المستقبل- لبنان وسوريا بعد الأسد

كم هي عميقة تلك الندوب التي يحملها قلب التاريخ المشترك بين لبنان وسورية، وكم من القصص المأساوية نُسجت خيوطها بين هذين البلدين المتجاورين، اللذين تجمعهما الجغرافيا وتثقل كاهلهما أوزار الماضي. إن أفول نجم نظام الأسد قد يمثل بارقة أمل لفتح آفاق لطالما كانت موصدة أمام تحقيق علاقة سوية وطبيعية بين الدولتين، علاقة قوامها الاحترام المتبادل والتعامل المتكافئ، لا التسلط والاستغلال الأناني. فمنذ اللحظة التي وطئت فيها أقدام حزب البعث باحات الحكم في دمشق، أصبح لبنان في نظر سورية مجرد ساحة خلفية، أشبه بمسرح صغير تُحرّكه أصابع السياسة اللاهية. ومع ارتقاء حافظ الأسد إلى سدة السلطة، تحول ذلك المسرح إلى حلبة دموية لتصفية الخصومات، وأداة لإرسال رسائل مشحونة برائحة الموت والخراب. لبنان، بجماله الفريد وتنوعه الثقافي، غدا حقل تجارب لحكم الأسد الأب، الذي أوكل مهمة الملف اللبناني لابنه بشار، ليدربه على فنون الحكم ودهاليز السياسة، ولكن أي سياسة هذه التي تتمرس على حساب تدمير الأوطان وتقويض استقرارها؟ الجيش السوري، الذي أشاع الفساد والدمار في سورية، امتدت يده الآثمة إلى لبنان. وكأن ما حل بسورية من خراب لم يكن كافياً، ليأتي دور لبنان ليصبح ضحية أخرى في مسرح العنف والإرهاب. بشار الأسد لم يكن سوى صورة باهتة وأكثر رعونة من والده، يفتقر إلى حكمته المزعومة، ويعج بالكبرياء والغطرسة التي دفع ثمنها السوريون واللبنانيون على حد سواء. ومع انهيار هذا النظام القمعي، انطلقت وعود معسولة على لسان النظام الجديد في دمشق، تنبئ برغبة جادة في فتح صفحة جديدة ومشرقة مع لبنان. بل إن قائد العمليات أحمد الشرع نفسه أعلن عن نوايا صادقة للتغيير، للاعتراف بسيادة لبنان واستقلاله التام، وقد تكون هذه المرة الأولى التي تعترف فيها سورية بسيادة الدولة اللبنانية إقراراً حقيقياً ونوايا طيبة. لبنان، من جهته، لا يظهر حتى الآن استعداده الكامل لمد يد المصافحة. فالرسائل الرسمية ما زالت مفقودة، والموقف اللبناني لا يزال يكتنفه التردد والحذر الشديدين، باستثناء زيارة وحيدة قام بها الوزير السابق وليد جنبلاط بصفته الحزبية والشخصية، والتي لا ترقى إلى مستوى التغيير المنشود. ومما يزيد من تعقيد المشهد الراهن، هو استمرار حزب الله في الاستئثار بالقرار السياسي والسيادي في لبنان. فكيف يمكن لدولة مكبلة بقيود داخلية أن تنسج علاقة ندية ومتوازنة مع جارتها؟ وكيف يتسنى للبنان أن يحقق استقلاله الفعلي بينما قراراته السيادية معلقة في يد قوة مسلحة تتبع أجندات خدمة مصالح خارجية؟ حتى أبسط المعاملات اليومية بين البلدين تبدو مشحونة بالتوتر. فالمواطن السوري الذي يصل إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي يواجه إجراءات قاسية ومهينة، حيث يبدو أن حزب الله ما زال يفرض سيطرته على أحد معاقله الأمنية المتمثلة في المطار، والتي رفض التخلي عنها على مر السنوات الماضية، حيث ما زال التهريب وإدخال أدوات الموت والدمار يحدث فيه على مرأى ومسمع الجميع. لبنان وسورية يستحقان علاقة أرقى وأسمى؛ علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيداً عن عقلية الهيمنة والتلاعب السياسي. ولكن هذا الحلم لن يتحقق إلا إذا استعاد لبنان كامل سيادته واستقلاليته. عندها فقط، قد تشرق شمس ساطعة تنير سماء العلاقات بين الجارتين وتزيل غيوم الماضي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة